الجمعة، 6 يناير 2012

آخــــر رمق !!


مديرتي ...
بعد التحيه ..
وددت لو أفشي سرا ملَ المكوث على جوانبي المتهالكه ..
حين وقعت على عقد هذه الوظيفه أخبرتني أنها وظيفه كبرى لا تقدر بثمن !
أخبرتني بأن كل هؤلاء الموظفين أدوارهم هامشية جدا .. ولولا ضعفك .. لتخلصت منهم ..
ولكنني وجدت العكس !
فأنا أمكث بمكتبي مكتوف اليدين حتى كللت وسئمت ..
صوتي كان آخر الأصوات التي تطرق مسامعك .. وأوراقي تقف على جوانب مكتبك العامر ..إن لم تسقط على الأرض لتطأها الأقدام !
لِمَ ؟!!
أعترف لك بأنك إستمعت إليّ بلهفه حين صرخت بقوة في جدران دواخلك المظلمه...
كنتِ حينها عائدة من شراء وجبة الإفطار في رحاب الجامعه بعد أن تسيطر موظفو القلق والهواجس عليك ..فسلبوا عقلك وأملوا عليك الكثير ...
أخبروك بأن محاضرة "سرطان الدم" والتي درستها في مادة "علم الأمراض" بها نوع من الصعوبه وتستغرق الكثير من الوقت ..
فشغلت بهَمِهَا عن هموم الآخره...!
وملأتِ بها تفكيرك ..ألهَتكِ عن ذكر ربٍك وعن مراجعة نفسك ...
أثناء الطريق ..  كانت صديقتك تتحدث عن قصة شيخ كبير فقد أبناءه الست ضحايا لسرطان الدم ...وسابعهم كان بالمشفى ينتظر مصيره ..وهو يردد الحمد لله! الحمد لله!
حينها ...
توالت علىَ المكالمات ..وطرق الباب بقوه لأنهض من نومتي اليائسه التي طالما أقضيها على مكتبي...خرجت مذعورا !!!! وإذا الكل ينظر إلي بعين الحقد
يا لعداوتهم !
سمعتُ بأنك إستدعيتني في عجاله ...
وحين وصلت إليك .. حملت بالكثير من المهام ..بدأت أؤديها وأنا في غايه السعاده ...
كنتِ تستمعين لقرارتي وتخطينها على أوراقك المهمه ....
أحسست حينها ببريق أمل ..ورسمت آمالا عريضه .. توجتها بجملة صغيره همست بها في أذنك قبل أن أغادر ..
"وددت أن أتدارك ما آل إليه هذا الكيان من سوء حال .. فلا ترمي بقراراتي على مهب الريح.."
أدرت رأسي خارجا من مكتبك وكلي أمل بأن تكون هذه نقطة التغير ...
ويبدو أن غبار الأيام غطى حبرا سكب بمخططاتي على أوراقك ..فلبثت بعدها أياما بلا عمل له أثر ..وكل جهودي كانت  هباء منثورا...
سمعت من أحد الموظفين بأن إمتحان الماده كان بيوم __ وحان وقت ظهور النتائج..
وبينما الكل منهمك في عمل شاق ..ومكاتب الموظفين تضج بأوامرك ومهامك .. كنت أغط في نوم عميق ..كموظف مُهمَل!
وفجأه !!
استيقظت إثر ضجيج بالخارج ...وصراخ من الأعماق ملأ كل ناحية من نواحي كيانك ...
نفضت النوم عن عيناي ... وخرجت أسابق الريح متخبطا لا أدري إلى أين !!
سألت أحدهم..مالذي جرى؟؟
قال بصوت يملأه الخزي والندم...أحرزت درجة لم تكن متوقعه كحد أدنى بامتحان الماده ...
ماذا !! صرخت في وجهه صرخة أخرصت كل صغير وكبير .. أنتم السبب ! أتظنون أن الدنيا تأتي لطالبها .. تباَ لكم !
دلفت باب مكتبك مترقبا .. لمحتك تخبئين رأسك بين كفيك...وعليهما تنساب دموع حرقه ...
وقفت عند رأسك... وحين رمقت عيناك ..عرفت كل شيء
لم أطق أن أجري حوارا أو إجتماعا طارئا ...فقد قرأت بعيناك سطور تحكي ضعفك ..حين تسلط على إدارتك أولئك الذين لا هم لهم سوى الدنيا...
سطور ندم..ليس على فشلك في المذاكره ..أو خطأك في الإمتحان ..  بل على تجاهلك لموظف كان دوره أكبر من أن ينام على مكتبه مسلوب الهويه..
لم أحتمل أن أزيد عليك الألم ... فقلت لك مطمئنا ومواسيا
" إنها نعمة.. لتتداركي خطأك
نعمة من الله ... لتتذوقي طعم سؤاله دون غيره ..ورجائه دون غيره .. والشكوى إليه دون غيره "
وخرجت مهرولا ...
عدت لمكتبي فوجدت الكثير من العمل ينتظرني ...بدأت أعمل جاهدا ليل نهار..أحسست ولأول مره بأنني أؤدي دوري وأعود إلى طبيعتي...
صارحتِني بأنك كنتِ في غاية السعاده وأنتي تتبعين خططي التي رسمتها لك .. فحمدت الله ..ووضعت كفي على كفيك ..عهدا على أن نمضي قدما في طريق جديد.. لينير كياننا بحب الله والسعي لمرضاته...

وذات نهار .. على مقاعد الدراسه..
عاودتك ذكرى تلك النتيجة المحبطه.. فتكسرت حروفك ألما..وإنحنيت مرة أخرى.. ..
أخبرتِ صديقتك بما تشعرين به من أسى حيالها...
فارقتك عائدا إلى مكتبي مطأطأ الرأس.. وقبل دخولي !
قطع حديثك صوت إحداهن حين أمسكت بمكبر الصوت ..
من فضلكن .. خمس دقائق
طالب من جامعة أخرى ، متميز في مستواه الدراسي ،وبعد أن تخرج .. عُيِن معيدا بذات الكليه..
تعرض لحادث مرور .. أصيب إثره بشلل شبه كامل ...
أخواتي ..ليكن لنا دور في مساعدته لإجراء عملية قررت له بمبلغ باهظ ..
للتبرع على الأرقام التاليه _ _ _ _ _ _
ثم أردفت قائله : ضعن أنفسكن مكانه ... لقد كان مثلكن .. ينعم بصحة وعافيه .. ودراسه ..
والآن ..هو قعيد .. فلا دراسه ولا عمل !
كان حديثها كسهام تمزق أحشائك.. نظرت إليك صديقتك نظرة عتاب ... تحمل في طياتها حديثا يقول...
أتشكين الإحباط واليأس للأجل نتيجة دنيا !!؟؟
ما حجم مأساتك أمام هذا الشاب إذن !!
   لم أواصل طريقي لذالك المكتب البائس .. بل عدت إليك مغاضبا .. وصرخت بوجهك ..
يالك من جاحده !!!!!
يالك من مكابره !!
أغمت عيناك عن كل تلك النعم .. عن ما وهبك الله من صحة وعافيه ...عن ما حباك من نعيم الدنيا .. تـأكلين وتشربين وتنامين هادئه البال ... ياتيك رزقك رغدا من كل مكان ..
     لم تكفرين بأنعم الله ؟ ؟

مديرتي ...
لا يوجد أوراق على طاولتي تكفي لأن أطيل الحديث..
فكما تعلمين .. لا دعم يصل لمكتبي هذه الأيام .. ولا طارق يطرق كثيرا....
سئمت العيش في ظل هذا الكيان الخاوي ..
قد تكون هذه آخر رساله أصارحك فيها بجملة أحرقها الصمت
" اتقِ الله في نفسك
لا تتجاهليني ... فقد أموت بين زحام الدنيا
وقد ألمم حقائبي لأذهب بلا عوده "

المرسل :

ضميرك الحيَ









هناك 4 تعليقات:

  1. ماشاء الله تبارك الله ربنا يحفظك
    اختك ام اسامة

    ردحذف
  2. جزاك الله خير يا أم اسامه والله أتشرف بك وبأمثالك
    وربي يوفقكم في الإختبار

    ردحذف
  3. غاليتي:هاأنا أزور مدونتك باستمرار كما طلبتي مني وأقرأ لك منذ أن أخبرتني والدتك الفاضله بإسم مدونتك *وفقك الله .
    وأبشرك آخرالعنقود كبرت وصارت مثقفه وتقرأ لك وأعجبت كثيرا بموضوعك عن الداير فقرأته على مسامع أهل البيت*فشكرا لك ولوفائك،وأسأل الله كما يسر لنا الإلتقاء بوالدتك أن يجمعنا بكم جميعا في القريب العاجل.
    بانتظار إبداعاتك يارفيقة الصبا.

    ردحذف
  4. الله يحيي الحبايب ..ما شاء الله ع آخر العنقود ربي يزيد ويبارك
    آميـــــــــــــــن يارب
    وجزاك الله خير والله شرف لي دخولك المدونه

    ردحذف

أضف تعليقك...لتقدم خطوات